و رسمتني الحياة ......
--------------------------------------------------------------------------------
في موطني – غرفتي الصغيرة – المكان الوحيد الذي أهزم فيه شعور الغربة ....و من نافذتي
الصغيرة حيث تلتصق طاولتي الخشبية المثقلة بالكتب إذ كنت أدعي الدراسة .....
حقيقة كنت أدرس و لكن ليس في الكتب إنما في تعابير وجوه أولئك المجتمعين حول بركة الماء "
البحرة " في ساحة الدار .......
هواية مارستها منذ الصغر و مازالت المفضلة لدي .............
في أمسيات الصيف تلك و العائلة مجتمعة كبيراً و صغيراً ....أدهشني المنطق الذي تسير به تلك
السهرات العائلية ....و التي اكتشفت مؤخراً أنه المنطق الذي تسير به أغلب المجتمعات
البشرية ......
كنت أختلس النظر إلى الوجوه واحداً تلو الآخر......... منصتاً للكلمات و الإشارات المعلنة منها و
المخفية .............بينما لا ينقطع عني طوال فترة الدراسة تلك صوت عمتي – المرأة المعجونة
بالنشاط رغماً عنها – و هي تردد الكلمات التي طالما ظننت أنها نسيت باقي مفردات اللغة
سواها .......تفضل ....حاضر ....نعم ...حالاً ....
حتى ابتساماتها السريعة لهذا أو ذاك تحمل نفس معاني الكلمات تلك ....و لا أبالغ إن قلت أنها في
جلوسها -القليل المتقطع- تكاد تقرأ على وجهها علامات الانتظار لتبدأ من جديد .....في تلك
الدوامة..........
و مثلها أغلب الحضور...........
بينما يتفنن القليل الباقي في إصدار الأوامر......و نبش النواقص من الحاجات و سخيف
الرغبات....... ليكملوا المشهد المتكرر .....في تلك الأيام المكررة .......
كلمتان فقط تختصران الموقف .......أعطني و خذ ...........محوران هما تدوران حولهما كل
السلوكيات الباقية للبشر .....فريق ثابت يدور حول المحور الأول بثبات.........و الفريق المقابل لا
يخطأ أبداً في الدوران حول المحور الآخر ..............
في كل مجالات الحياة............. الأسرية و الاجتماعية و الاقتصادية و حتى السياسية يمكن أن
نقوم بإسقاط طرق التعامل فيها بين البشر على هذين المحورين ..........
كنت أفكر أحياناً – و تلك من الأفكار القليلة البريئة التي كانت تناسب عمر طفولتي - ألا يرغب
أحدهم في معرفة الأحاسيس التي تختلج في صدور الطرف المقابل .......
ألا يشدهم الفضول للتغيير بعض الأحيان .....فقط من أجل التغيير ....
لم أكن أدري حينها أن انتساب كل منهم إلى فريقه بات كالجلد الملتصق بصاحبه لا يملك منه
فراراً ..............لأنه لا يتقن و لا يستطيع أن يتقن سوى ذلك الدور ....
.إدراك تلك الحقيقة في تلك الأيام أرغمني على تحدٍ ......اعتقدت أنه ليس بأقل من التحد الذي
واجهه أبانا آدم عند خروجه و الشيطان من الجنة ......
و مع أن ظروف حياتي كادت أن ترغمني بالانتماء للفريق الثاني ......إلا أنني قررت أن أنتمي
للفريق الأول و قررت الدفاع عن هذا القرار بكل ما أوتيت من قوة .....
عندما هزتني عمتي و هي تقول ......فيما شردت ......خذ التفاح فأنت تحبه .....و بلؤم شديد سحبت
التفاحة صارخاً: أعطني ......هي لي .......
و تلك كانت البداية ..............
__________________
--------------------------------------------------------------------------------
في موطني – غرفتي الصغيرة – المكان الوحيد الذي أهزم فيه شعور الغربة ....و من نافذتي
الصغيرة حيث تلتصق طاولتي الخشبية المثقلة بالكتب إذ كنت أدعي الدراسة .....
حقيقة كنت أدرس و لكن ليس في الكتب إنما في تعابير وجوه أولئك المجتمعين حول بركة الماء "
البحرة " في ساحة الدار .......
هواية مارستها منذ الصغر و مازالت المفضلة لدي .............
في أمسيات الصيف تلك و العائلة مجتمعة كبيراً و صغيراً ....أدهشني المنطق الذي تسير به تلك
السهرات العائلية ....و التي اكتشفت مؤخراً أنه المنطق الذي تسير به أغلب المجتمعات
البشرية ......
كنت أختلس النظر إلى الوجوه واحداً تلو الآخر......... منصتاً للكلمات و الإشارات المعلنة منها و
المخفية .............بينما لا ينقطع عني طوال فترة الدراسة تلك صوت عمتي – المرأة المعجونة
بالنشاط رغماً عنها – و هي تردد الكلمات التي طالما ظننت أنها نسيت باقي مفردات اللغة
سواها .......تفضل ....حاضر ....نعم ...حالاً ....
حتى ابتساماتها السريعة لهذا أو ذاك تحمل نفس معاني الكلمات تلك ....و لا أبالغ إن قلت أنها في
جلوسها -القليل المتقطع- تكاد تقرأ على وجهها علامات الانتظار لتبدأ من جديد .....في تلك
الدوامة..........
و مثلها أغلب الحضور...........
بينما يتفنن القليل الباقي في إصدار الأوامر......و نبش النواقص من الحاجات و سخيف
الرغبات....... ليكملوا المشهد المتكرر .....في تلك الأيام المكررة .......
كلمتان فقط تختصران الموقف .......أعطني و خذ ...........محوران هما تدوران حولهما كل
السلوكيات الباقية للبشر .....فريق ثابت يدور حول المحور الأول بثبات.........و الفريق المقابل لا
يخطأ أبداً في الدوران حول المحور الآخر ..............
في كل مجالات الحياة............. الأسرية و الاجتماعية و الاقتصادية و حتى السياسية يمكن أن
نقوم بإسقاط طرق التعامل فيها بين البشر على هذين المحورين ..........
كنت أفكر أحياناً – و تلك من الأفكار القليلة البريئة التي كانت تناسب عمر طفولتي - ألا يرغب
أحدهم في معرفة الأحاسيس التي تختلج في صدور الطرف المقابل .......
ألا يشدهم الفضول للتغيير بعض الأحيان .....فقط من أجل التغيير ....
لم أكن أدري حينها أن انتساب كل منهم إلى فريقه بات كالجلد الملتصق بصاحبه لا يملك منه
فراراً ..............لأنه لا يتقن و لا يستطيع أن يتقن سوى ذلك الدور ....
.إدراك تلك الحقيقة في تلك الأيام أرغمني على تحدٍ ......اعتقدت أنه ليس بأقل من التحد الذي
واجهه أبانا آدم عند خروجه و الشيطان من الجنة ......
و مع أن ظروف حياتي كادت أن ترغمني بالانتماء للفريق الثاني ......إلا أنني قررت أن أنتمي
للفريق الأول و قررت الدفاع عن هذا القرار بكل ما أوتيت من قوة .....
عندما هزتني عمتي و هي تقول ......فيما شردت ......خذ التفاح فأنت تحبه .....و بلؤم شديد سحبت
التفاحة صارخاً: أعطني ......هي لي .......
و تلك كانت البداية ..............
__________________
