اخواني الكرام :
لكُم إقتباس من دراسة قرأتها للكاتب
ألمُجتهد حسن عباس...لن أطيل نظراً لطول ألأقتباس...إنما أردت بهذا
مُشاركتكم إحدى أعظم ألدراسات ألتي قرأتُها حتى يومي
أصالة الحرف العربي تقوم على أربعة أركان هي:
1-البداءة :
فالحرف العربي هو من إبداع الإنسان العربي وريث الشعوب العروبية التي نزحت
عن الجزيرة العربية منذ الألف (9) ق.م ألف عام بعد ألف، لم يقتبسه من أحد
ولم يُفرض عليه في جزيرته بفعل موجةٍ بشرية مجتاحة. فالحركة السكانية في
المنطقة العربية منذ نهاية العصر الجليدي الأخير كانت تتجه من داخل
الجزيرة إلى خارجها في كل الاتجاهات، وليس العكس، وفقاً لما أظهرته الآثار
المكتشفة في المنطقة العربية (تاريخ العرب المطول)- ج(ص10-14) لمؤلفه
فيليب حتي.
وهكذا فإن أصالة الحرف العربي تقوم على بداءته وبداءة الإنسان الذي أبدعه.
2-الفطرة:
لقد اقتبس الإنسان العربي خصائص حروفه (الهيجانية والإيمائية والإيحائية)
من الطبيعة المادية والبشرية عبر المراحل الحياتية الثلاث. ولا يزال
الإنسان العربي حتى الآن يعتمد هذه الخصائص ذاتها في الكلمة العربية، وإنْ
بشيء كثير من التهذيب بمعرض تعبيره عن معانيه .
وهكذا تقوم أصالة الحرف العربي أيضاً على خصائصه الفطرية.
3-التفاعل (الثقافي- الاجتماعي) بين الإنسان العربي والحرف العربي:
لما كان الإنسان العربي قد تعايش مع الحرف العربي في الجزيرة العربية طوال
آلاف كثيرة من الأعوام مرحلة حياة متطورة بعد مرحلة، يبدع به كلماته
ويهذِّبها، ويبتكر معانيه ويطورها تعبيراً عن أحاسيسه وحاجاته وانفعالاته
ومشاعره، جيلاً مثقفاً متطوراً بعد جيل،
فقد كان لابد للحرف العربي أن يحمل من مقومات شخصية الإنسان العربي،
حِسَّاً مرهفاً وشعوراً ونزعة فنية أخلاقية، على مثال ما تحمل أيُّ تحفة
فنّية من شخصية مبدعها الفنان. لتتحول الحروف العربية بذلك من اهتزازات
صوتية مجردة إلى نماذج إنسانية حّية متحضرة. لكل حرف وظائفه واختصاصاته
وطبعه ومزاجه ومقوماته الشخصية، على مثال ما يتوزع الناس أنفسهم في أي
مجتمع متحضر على شتى المهن والهوايات والاختصاصات والأمزجة وأنواع السلوك.
كما كان لابد للحرف العربي بالمقابل أن يطبع الإنسان العربي على مر العصور
بطابعه الثقافيِّ الخاص: ترهيفاً لأحاسيسه الحسِّية وتأجيجاً لمشاعره
الشعرية، وتهذيباً رفيعاً لذوقه الأدبيِّ، وتنمية راقية لملكاته العقلية
ليتحول الإنسان العربي في صحرائه القاحلة من مجرد كائن حيِّ يُعنى بغرائزه
إلى آلة ثقافية مفاتيح معانيها أصوات حروف قد تغلغلت أصداؤها في بنيته
النفسية وتكوينه الذهني وخلاياه العصبية.
وهكذا قد تشابكت جذور الحرف العربي بجذور الشخصية العربية، فكان بذلك هو
أعمق الجذور في شخصية الإنسان العربي وأحواها لمقوماته الثقافية
والاجتماعية، بكل ما للمحتوى من معاني الشمول، وما للثقافة والحياة
الاجتماعية من مظاهر التنوع.
فمازج الحرف العربي بذلك عادات الإنسان العربي وتقاليده وطراز حياته وقيمه
الجمالية والأخلاقية ودينه وعقله وسحره. وكان فوق ذلك كلِّه واحداً من
أرسخ أسلحته الذكورية الثقافية التي استعان بها على المرأة في نزاعه على
زعامة الأسرة والمجتمع، منذ المرحلة الرعوية حتى الآن.
وهكذا فإن هذه الروابط (الثقافية- الاجتماعية) المتبادلة بين الحرف العربي
والإنسان العربي على مرِّ الزمن هي أهمُّ أركان الأصالة في الحرف العربي
وفي مقوِّمات (الشخصية العربية) أيضاً.
4-الجذور الفنية والأخلاقية في الحرف العربي:
آ-حول المضمون الفني في الحرف العربي:
لقد تسّرب المضمون الفني إلى الحرف العربي عفو الفطرة أولاً، ثمَّ إرادياً بفعل الإنسان العربي عبر مراحله الحياتية الثلاث.
ففي المرحلة الغابية كان الإنسان العربي (ابن الجزيرة العربية)، يعبِّر عن
معانيه بالحركات الانفعالية والأصوات الهيجانية، بفطرة إنسانية مُشْربة
أصلاً بنزعة فنية بدائية.
وهذه النزعة الفنية هي التي كانت تكفل التواصل بين أبناء تلك المرحلة، إذ
لولاها لبقي التواصل بينهم غريزيّاً كما لدى الحيوان. فالظاهرة الفنية في
الحركات الانفعالية والأصوات الهيجانية تتجلى بدلالاتها البصرية والسمعية
عفو الفطرة، بعيداً عن كل رمز أو اصطلاح عقليِّ.
وفي المرحلة الزراعية كان التواصل بالحركات الإيمائية التمثيلية، يتم
بتدخُّل الإرادة تحت رقابة نزعة فنية أصيلة أصبحت أنضج مما كانت عليه في
المرحلة الغابية.
أما في المرحلة الرعوية فإنَّ التعبير الإرادي بالأصوات الموحية قد أخذ
طابعاً فنياً خالصاً هو ألصق ما يكون بالموسيقى. فلجأ الإنسان العربي إلى
تصوير الأشياء والأحداث والحالات بأصوات الحروف –العربية وفقاً لمقولة ابن
جني: ((سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المراد)). مما لا نظير
له في أي لغة في العالم.
ب-حول المضمون الأخلاقي في الحرف العربي:
لو تأملنا بسمعنا ما للأحرف الغابية من الخصائص (الهيجانية- الانفعالية)،
ولو أمعنا بنظرنا إلى ما في طريقة النطق بأصوات الأحرف الزراعية من
الخصائص (الإيمائية- التمثيلية)، لما عثرنا فيهما على ما يشير إلى أي معنى
أخلاقي، سلبياً كان أو إيجابياً. فدلالات حروف هاتين المرحلتين منحصرة في
القطاع الحسِّي، ولا شيء فيهما للمشاعر الإنسانية.
ويفرض أن لهجة التواصل بين أبناء هاتين المرحلتين كانت تتضمن ما يعبِّر عن
مشاعر الكُره أو الغضب أو النفور أو التحبب وما إليها مما يتماس مع بعض
القيم الأخلاقية في صورها البدائية، فإن ذلك لا ينسحب قطعاً على مضمون
حروفهما.
فبالرجوع إلى المصادر الجذور التي تبدأ بالأحرف الزراعية
(ذ-ث-م-ل-ف) عثرنا في المعجم الوسيط على (759) مصدراً جذرياً تبدأ بها
كانت جميعاً لمعان محسوسة، باستثناء خمسة مصادر فقط لمشاعر إنسانية تتماس
مع القيم الأخلاقية، بنسبة أقل من واحد في المئة.
أما في المرحلة الرعوية التي أخذ التواصل فيها يتحول عن الهيجاني
والإيمائي إلى التواصل بالأصوات الإيحائية، بقيادة النزعة الفنية
الموسيقية كما أسلفنا، فقد بدأ الإنسان العربي يتدرب على التحول أيضاً من
النظر إلى العالم الخارجي، إلى النظر في عالمه الداخلي. فراح يستبطن صدى
الأصوات في نفسه لمعرفة موحياتها الحسية، فيصوِّر بموسيقاها الأحداث
والأشياء في الطبيعة بأصوات كانت تقتصر موحياتها في بدء هذه المرحلة على
المحسوسات كما في أحرف (ب-ث-ق-ك-د-ز-س-ر-) التي يسهل النطق بأصواتها.
فباستعراض المصادر الجذور التي تبدأ بهذه الأحرف الثمانية في المعجم
الوسيط، وقد بلغت (1891) مصدراً كانت معانيها جميعاً حِسِّية: (لمسيّة-
ذوقيّة- شميّة-بصريّة- سمعيّة) باستثناء (20) مصدراً جذراً منها، كانت
لمشاعر إنسانية غير محسوسة، تتماس مع القيم الأخلاقية، بما نسبتها قرابة
واحد في المئة. نسبة ضئيلة لا تجرح حكمنا آنف الذكر.
وألف عام بعد ألف من مران الإنسان العربي على استبطان الأصوات في نفسه قد
استكشف المزيد من مشاعره الإنسانية، فكان لابد له من التعبير عنها. ولطول
ما استمر على ترويض جهاز نطقه على التلفظ بأصوات الحروف بالطريقة التي
توحي بمعانيها، قد امتلك الإنسان العربي جهاز نطق مطواع في منتهى الحساسية
للتعبير إيحاء بكفاءة عالية عن تلك المشاعر الإنسانية المكتشفة.
وهكذا استطاع الإنسان العربي أن يبدع عدداً من أصوات الحروف المشحونة
بمختلف المشاعر الإنسانية وأن يستثمر الخصائص الصوتية الموحية في بعضها
تعبيراً عن مشاعره.
فكان منها (الخاء والهاء) أوحى الحروف العربية بالمشاعر الإنسانية السلبية والمعاني الرديئة.
أما حرفا (الحاء والعين)، أعسر الحروف العربية نطقاً وآخر ما أبدع الإنسان
العربي من الحروف الرعوية الأصيلة، فقد كان أوحى أصوات الحروف بالمشاعر
الإنسانية الإيجابية والمعاني الجيدة.
أرجوا أن يكون قد شدكم ما قرأتموه وإن شِئتُم هُنالك ألمزيد منه
من دِراسة حروف المعاني بين الأصالة والحداثة للكاتب حسن عباس
__________________